الثقافة ومن هو الرجل المثقف

الثقافة ومن هو الرجل المثقف

دوغوكان  دميرال

يمكن تعريف الثقافة على أنها مصطلح يُعبر عن مجموعة من الأعراف والمعارف والمعتقدات والسلوكيات الاجتماعية التي توجد لدى أفراد المجتمعات الإنسانية. وتعد الثقافة عملية تراكمية تتنامى لدى الأفراد مع تقدم الأعوام من خلال التنشئة الاجتماعية وما يتلقونه من المعارف والمهارات. ويجب الذكر أن للثقافة تعريفات متنوعة ومفهومات متنوعة تتنوع بتنوع الشعوب والبلدان في كل زمان ومكان. ومعلوم لدينا أن هناك ما يزيد على 180 تعريفاً للثقافة. ويمكن القول إن كلمة الثقافة كانت ثمرة من ثمار عصر النهضة الأوربية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. والكلمة في الآصل تعني الزراعة والإنماء وهي مأخوذة من الفرنسية، وامتد معنى الكلمة فيما بعد إلى مجال الإنسانيات، فأصبح يعني العناية بالنفس وقواها العقلية والأخلاقية. ويقولُ العالم الاجتماعي الأمريكي تايلور: أن الثقافة تشمل المعرفة والاعتقاد والفن والقانون والأخلاق والعرف وأية قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان باعتباره فردا في الجماعة. ومن جهة أخرى تُعرف الثقافة على أنها الفطنة، فعندما نقول (تثقف الرجل ثقافة) نعني أنه صار رجلاً حاذقاً وذا فطنة، وتعني كلمة الثقافة: كل ما يضيء العقل ويهذب الذوق وينمي موهبة النقد، وباشتقاق كلمة الثقافة من الثقف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة؛ كالموسيقى والفنون والدين والأعراف والعادات والتقاليد السائدة والقيم وغيرها. والشخص ذو الاطلاع الواسع يعرف على أنه شخص مثقف. وهنا نكتفي بالحديث عن الثقافة لأجل الدخول إلى سرد الموضوع.

من يكون الرجل المثقف؟ هل كل متخرج من المدارس والجامعات يعتبر مثقفاً؟ للإجابة على هذه الأسئلة سوف ننظر للمحة عامة قصيرة إلى حياة د. ولسون الذي حكم أمريكا أبان الحرب العالمية الأولى. كان الرئيس ولسون رجلاً مثقفاً درس الكتب واخبار الدنيا، كان مديراً لجماعة برينستون ينظم الثقافة لشباب الولايات المتحدة. فاذا تكلم الرئيس عن الثقافة ما هي وكيف تكون، ومن هو الرجل المثقف؛ فانه لا يتكلم باعتباره رجل القلم والحبر فقط، بل أيضاً رجل السياسية العالمية والخبرة الدنيوية، ثم هو رجل مثقف قد أثمرت فيه خير ثمراتها، أذ جعلته إنساناً إنسانياً يطلب الدنيا كلها وطناً له يسعى للسلام وينشد الحماية للأمم الصغيرة من الأمم الكبيرة. وقد وضع ولسون أربعة شروط للرجل المثقف وهي:

الشرط الأول: أن يعرف الرجل المثقف تأريخ العالم كيف نشأت الحياة الأولى على الأرض، ثم تطورت رويداً رويداَ أنواع من النبات والحيوان ينقرض بعضها ويبقى بعضها. ثم كيف نشأت الحضارة وتطورت وهي تعاني مظالم الكهنة والمستبدين ورزء الحروب وبلايا القحط والوباء، ومن خلال ذلك يكتشف هذا الإنسان الأول أن له ضميراً وان حبه لأمه وزوجته وأولاده يتسع حتى يصير حباً للبشر جميعهم.

الشرط الثاني: على الرجل المثقف أن يعرف تأريخ الأفكار السائدة سواءٌ أكانت سياسيةً أو علمية. فنحن في عصرنا الحاضر نسير بقوة آراء تسوقنا وترسم لنا خططاً وغايات، فيجب أن نعرف تأريخ هذه الآراء والجهود التي بُذِلت في سبيل تحقيقها والقوات الخفية التي تسوقها.

والشرط الثالث: على الرجل المثقف أن يعرف علماً من العلوم الحديثة؛ وذلك لأن الحضارة الصناعية القائمة في العالم الآن تستند إلى أساس قوي من الثقافة التي أثمرت الغازات الفاتكة من ناحية كما أثمرت الأقمشة والأسمدة الصناعية للتوفير الغذاء والكساء، ولا يمكننا أن نفهم دلالتها إلا إذا فهمنا علماً من العلوم، وميزة العلم أو صفته أنه يمكن أن يقاس سواء أكان القياس بالمتر أم بالجرام أم باللتر.

اما الشرط الرابع: على الرجل المثقف أن يعرف لغة ما حق المعرفة وتفضل لغته الأصلية التي نشأ عليها وهذا شرط لا غنى عنه؛ لأن تفكير الحسن لا يُستطاع بلا مدخرٍ كبير من الألفاظ، بل نحن لا يمكننا أن نفكر بدون الألفاظ ويقول السيكولوجي المشهور دكتور واطسون “إن التفكير هو كلام صامت كما أن الكلام هو تفكير صائت” ويقول هربرت سبنسر: أنه يمكنه أن يعرف وزن الرجل الذهني عقب حديثه؛ لأنه يعرف من الألفاظ التي يستعملها أي الموضوعات تشغله وكيف تشغله.

هذه هي الشروط الأربعة التي وضعها الرئيس ولسون للرجل المثقف؛ وهي جديرة بأن تثمر في صاحبها أحسن الثمرات، فتحركه إلى العمل وتجعله داعية للحق والإصلاح والرقي. فأن المثقف لا يطيق الظلم ولا يرضى بالجمود؛ لأن ثقافته قد امتزجت بدمه وأصبحت جزءً من روحه وإرادته وهو لا يمكن أن يحبس في نفسه أفكاراً عن الرقي والإصلاح قد اختزنها ذهنه بالقراءة أو التفكير في حين يرى الوسط حوله وهو ينادي بل يصرخ بالحاجة إليها وغالبا ما يلبي طلبهم حتى ولو ضربت مصالحه الشخصية. والمثقف أيضاً لا يمكن أن يتعصب لفكرة ما أو مذهب ما تعصب الاضطهاد والكراهية؛ لأنه يعرف قيمة التسامح في تأريخ البشرية ثم أنه يكره الحرب؛ لأن تأريخ العالم قد أشعره بالأخوة البشرية، تم هو إذا كان علمياً في مزاجه التفكري ومتديناً في مزاجه العاطفي فأنه يحب الرفاهية ويرجو الخير لمستقبل الإنسانية.

حساب الانستغرام:i_d_demirel