الذئب الأغبر

الذئب الأغبر

فوزي توركر

يرجع تاريخ الأتراك الى ما قبل اربعة الاف سنة ،ولهم  اساطيركثيرة منها أركناكون Ergenekon)ودده كوركوت (Dede Korkut) وطوفان  (Tufan)وموضوع مقالنا اسطورة الذئب الاغبر/بوزقورت Bozkurt)) الرمزالقومي لجميع الاتراك. ولقد كثرت في الاونة الاخيرة التساؤلات حول رمز الذئب ألأغبرومعناه ومدلوله وجذوره التاريخية والذي له مكانته البالغة الاهمية في تاريخ الأتراك منذ القدم.ويحظى هذا الرمزبالتقديروالاعتزاز في جميع دول تركستان الغربية وفي تركستان الشرقية في الصين وفي جمهورية آذربيجان،  وآفغانستان وآذربيجان الجنوبية وروسيا وايران وقبرص الشمالية التركية ودول البلقان وتراقيا الغربية في اليونان والعراق وسوريا.

اسطورة الذئب ألأغبرBozkurt))هي احدى اهم الاساطير التركية القديمة التي اشتهرت وذاعت صيتها في عهد دولة كوك توركGöktürk)) في القرن السادس الميلادي.وتروي الاسطورة كيف تمكن الأتراك ان يولدوا من جديد في فترة كانوا فيها على وشك الانقراض اثر حرب خاضوها مع دولة مجاورة لهم،ولم ينجو فيها من الاتراك سوى طفل عمره عشرة اعوام ، فقام جنود العدو المنتصربقطع ذراعيه ورجليه ورموه في مستنقع ليلقى حتفه. وخلال ذلك عثرت ذئبة (آسينا)على الطفل وحملته بانيابها الى كهف في جبال منطقة آلتاي العالية والشديدة البرودة .وفي هذا الكهف الفسيح المحيط بالجبال العالية من جميع الجهات ، بدأت الذئبة بتنظيف جروح الطفل بلسانها وتغذيته بحليبها ومن ثم بلحوم الحيوانات التي تصطادها.ولما بلغ الطفل سن البلوغ تزوج من الذئبة التي انجبت له عشرة اولاد، تزاوجوا فيما بينهم ولما كثرعددهم بمرور الزمن اسسوا جيشا قويا حاربوا به جيش العدو الصيني  وقضوا عليه،واقاموا دولتهم.ولكنهم لم ينسوفضل هذه الذئبة العظيمة التي ساعدتهم على استمرارذريتهم.واحتراما منهم لهذه الذئبة الوفية قاموا بتقديسها وذلك بوضع رأس للذئب الآغبر وسط راياتهم وفوق خيامهم.

بعد انهبارالاتحادالسوفياتي في عام 1991واستقلال جمهورياتها الاتحادية منها الجمهوريات التركية بينها آذربيجان، كان الرئيس  الآذربيجاني الراحل ابوالفيض الجي بيه اول رئيس دولة تركية، قد حيا في تجمع شعبي شارك به مليون مواطن آذربيجاني ، زعيم حزب الحركة القومية  التركي آلب آرسلان توركيش اثناء زيارته للعاصمة الاذربيجانية باكو.

وكان يعتقد سابقا بان اشارة الذئب ألأغبر تم رفعها للمرة الاولى في باكوعام 1991 من قبل الرئيس الاذربيجاني الراحل  ابوالفيضالجي بيه اثناء استقباله للزعيم السياسي التركي الراحل توركيش.غيران الابحاث التاريخية كشفت وجود هذا الرمز في التراث التركي منذ القرن السادس الميلادي،وحتى انها حسب مصادراخرى يعود تاريخه الى ما قبل الميلاد.

  اشارة الذئب الأغبر في التراث التركي يرمزالى النصر والقوة والسرعة والطبيعة والتحارب. وكان اتراك دولة الهون (HUN) ،ودولة كوك تورك Göktürk)) حيث كان علمها يحمل في وسطه صورةالذئب الاغبر، والقبجاق Kıpçak))،والبجناك Peçenek)) يستعملون اشارة الذئب الاغبر كأداة لتحديد ألأنساب والانتساب للعرق التركي اي بمعنى”انا تركي”.ورمز الذئب الأغبر مذكور حتى في ديوان الشاعرالفارسي الفردوسي ” الشيخنامه” الذي يرجع تاريخه للقرن العاشر الميلادي.والجانب الاخراللافت للنظر في هذه الاسطورة هوالعثورعلى تمثال حجري لخاقان تركي (حاكم) في الصين يعود تاريخه للقرن السادس الميلادي وهويعمل اشارة الذئب الأغبر.وللذئب الاغبرتسميات متعددة في بعض اللهجاتالتركية مثل باسكرBaskır)) وبورو (Börü) وبوسكوBosko)) وبوسكوردBoskord)) وبوسكورتPusgurt)) وجالكورت (Çalkurt.وتعتقد بعض القبائل التركية ان نسبها ينحدر من هذه الذئبة الوفية، فيما تعتقد قبائل اخربان نسبها ينحدرمن الايل الاحمر. والذئب الاغبر يرمز في (الميثولوجيا ) التركية الى السماء اما الأيل الاحمر( (Alageyik فيرمزالى الارض.

ينزل الذئب الاغبر بحسب الاسطورة الى الساحة في ظروف المحن ليوجه الأتراك ويرفع من معنوياتهم ويرشدهم الى طريق الخلاص عندما كانوا يتعرضون للتهديد اوعندما كانت  المحن والمصائب تحدق بهم.

وللذئب ألأغبراعتزازا لا يوصف بقلوب الأتراك بحيث انهم كانوا يضعون تمثالا مصنوعا من الذهب فوق اعمدة تقام امام خيامهم وفوقها.وشوهد في تمثال حجري عثرعليه في الصين في القرن السادس يصورطفلا ترضعه ذئبة.وهناك اسم آخر للذئب الاغبر في الاسطورة التركية وهو ابن السماء. وفي جمهورية الياقوت ذات الحكم الذاتي في روسيا فأنهم يطلقون عليه اسم بوسكو.

 يوجد في التراث التركي القديم اعتقاد بان حمل سن الذئب الاغبر في الجيوب تحمي حاملها من الحسد.ورؤية الذئب الاغبر بالحلم في ارياف جمهورية قيرغيزستان تعني انها تجلب لصاحبها الحظ السعيد. اما المرأة الحامل في اسطورة الذئب ألأغبر فقد كانت تضع سنا للذئب الأغبر او جلده تحت مخدتها لتحمي نفسها وجنينها من الحسد.

لمعظم الشعوب العريقة  في منطقتنا اساطير ورموزا تعتز بها وتقدسها. فللعرب عدد كبير من الاساطيرمنها  اسطورة مصباح علاءالدين واسطورة السندباد البحري واسطورة علي بابا والاربعين حرامي واسطورة النسناس واسطورة زرقاء اليمامة وغيرها.وللاتراك اساطيرهم مثل اركناكون وددة قورقوت وبوزقورت وغيرها. وللاكراد اساطيرهم كاسطورة الجن واسطورة ممو زين واسطورة شاهماران واسطورة نوروز(كاوة الحداد). وللفرس اساطيرعديدة منهااسطورة الاسكندر واسطورة رستم وغيرهما .

ان اعتزازالشعوب باساطيرها واستذكارها لأمجادها القومية وبطولاتها التاريخية ،لم  تكن يوما منذ غابرالزمان أداة  للتناحر والعداء اوالاستفزاز والتمييز بين شعوب المنطقة.وانما كانت مصدر الهام عبر التاريخ للتعايش السلمي والتآخي وبناء الصداقات والتعاون في كافة المجالات الثقاقية والتراثية بين الشعوب.

واشارة الذئب الأغبر الرمز القومي لجميع الاتراك بما فيهم اتراك العراق والتي رفعها زعيم الجبهة التركمانية العراقية ارشد الصالحي خلال تفقده لعدد من مواقع القوة التركمانية بالحشد الشعبي في بعض القرى التركمانية في اطراف كركوك قبل فترة قصيرة،لا يجب ان يعتبرها العرب والاكراد في كركوك عملا استفزازيا او عدائيا ضدهم او ضد اي مكون او جهة في كركوك والعراق. فللعرب رموزههم التاريخية حتى ان بعضا منها اطلق على احياء في كركوك قبل 2003،وللاكراد ايضا رموزهم التاريخية كبطلهم القومي كاوة الحدادالذي يعرفه جميع العراقيين ، ويعتزون به في كل مكان ويطلقون اسمه على كل ما يليق بمكانته التاريخية.ولكن التركمان لم يعتبروا عبر تاريخهم اعتزازالعرب والاكراد برموزهم التاريخية عملا استفزازيا ضدهم او ضد اي مكون اخر في العراق.

ومع هذا فان النوايا الحسنة  للتركمان حيال جميع مكونات العراق واطيافه واخلاصهم لارضه ودفاعهم عن وحدتها منذ تاسيس الدولة العراقية،فان الحكومات العراقية لغاية عام 2003 لم تحسن معاملتهم بالعدل والمساواة ولم تعترف بأبسط حقوقهم ،بل وانها كانت قد أسرعت في اعوامها الاولى لتنفيذ اولى سياسات التعريب المقيت في كركوك في الثلاثينييات من القرن الماضي. ولم ينصفهم الغزو الامريكي ،كما وان الدستور العراقي لم  ينصفهم ولم يعترف بهم كمكون ثالث  ولم يمنحهم كامل حقوقهم ، وما منحوا به لم ير النور لحد اليوم . اما الساسة العراقيون الجدد وحكوماتهم التي شكلوها بعدعام 2003 فأنها قد تعمدت في تهميش التركمان وهضم حقوقهم لأسباب يعرقها القاصي والداني. والخطأ هنا يقع علينا نحن التركمان وليس على غيرنا.لأننا انتظرنا من ياتي لينصفنا ويمنحنا حقوقنا ، ولكننا لم ندرك ولا نزال ان الحق لا يعطى وانما يؤخذ.

2شباط2021