هجرة الاكراد الى مدينة اربيل بدأت بعد الحرب العالمية الثانية, وكانت فيها قبل ذلك عائلة كردية واحدة

 هجرة الاكراد الى مدينة اربيل بدأت بعد الحرب العالمية الثانية, وكانت فيها قبل ذلك عائلة كردية واحدة

ناظم الصائغ

المدينة التاريخية المعروفة بتركمانيتها منذ القدم بقيت بنكهتها التركمانية على الرغم من التغييرات الديموغرافية والهجرة الجماعية التي تعرضت لها, بقيت بفضل سكانها الاصليين من التركمان تجسد تاريخها العريق لكل قاص و دان حتى الغريب من خارج العراق لو تجول داخل احيائها واسواقها القديمة وهي تتحدث بلغة تركمانية صرفة مما يجعل الباحث يقر بتركمانية هذه المدينة.
الحاج خليل عزيز الحاج علي جلناز ابن لهذه المدينة المولود في قلعتها الشامخة وفي محلتها المشهورة (السراي) عام 1928يسرد لنا تاريخ هذه المدينة وتاريخ حياته منذ عقود من الزمن الى يومنا هذا بعد ان استضافنا في محله الصغير لبيع الاقمشة داخل سوق القيصرية.
*بما انكم من الابناء الاصلاء لهذه المدينة ومولود في قلعتها الشامخة نود ان نبدأ حوارنا من قلعة اربيل, كيف كانت القلعة قديما وكيف تراها الان؟
– كانت مدينة اربيل منذ القدم وقلعتها موطنا للتركمان ومهدا لحضارتهم, وكانت الحياة في هذه المدينة بسيطة ومشتركة بين ابنائها وتقارب فيما بينهم ويشاركون افراح واحزان بعضهم البعض وكانت القلعة تتكون من 580 بيتا تركمانيا. ولايوجد بيننا غير التركمان كما هو الحالِ بالنسبة لمركز مدينة اربيل, اما الان فقد افرغت قلعة اربيل من ساكنيها ولم تبق فيها حياة وهي اشبة الان بمدينة اشباح, حيث كانت عائلة كردية واحدة تسكن في محلة (ايست اجوخ محله سي) الواقعة قرب تكية شيخ عبدالكريم الحالية ومعروف ب ( كورد تك) أي الكردي الوحيد, ثم بدأت الهجرة نحو هذه المدينة بعد الحرب العالمية الثانية, حيث الفقراء في القرى ضاقت بهم المعيشة وهاجروا نحو المدينة وعملوا لدى اهالي المدينة وكانوا يعملون في الطين أي ان بيوت المدينة كانت من الطين وكان اصحاب البيوت يصقلون سقوف دورهم كل عام لتقيهم من امطار الشتاء, واخذت هذه الهجرة تتسع شيئا فشيئا وفي العام1958 أي بعد ثورة عبدالكريم قاسم عندما توترت العلاقة بين الاغوات من اصحاب الاملاك والاراضي والفلاحين والفقراء, بدأت الهجرة نحو مركز المدينة تأخذ منحى اخر ولاقى المهاجرون ترحيبا من ابناء هذه المدينة واحتضانهم وايوائهم وتعليمهم حرفهم ومهنهم تم تصاهروا فيما بينهم والى يومنا هذا وكما تراها اربيل الان حيث اصبح التركماني فيها غريبا.
*لانرى في الدوائر والمؤسسات في اربيل موظفين او مدراء عامين الاقليلا لايتجاوزون اصابع اليد الواحدة وفي بعض الدوائر لانشعر بوجودهم نهائيا ولايتحدثون اللغة التركمانية حتى مع المراجعين التركمان ما قولكم حيال ذلك؟
-كان مدراء الدوائر والمدارس والموظفون والمعلمون كلهم من التركمان, لكن بعد ثورة تموز قدمت الى اربيل احزاب كردية متطرفة وجعلت الدراسة في المدارس باللغة الكردية, وتم اعداد كوادر تابعة لها ولم تعد بحاجة الى التركمان وتم تعيينهم في تلك الدوائر, والان يوجد تركمان في الدوائر والمؤسسات لكن ليس بالمستوى المطلوب, اما بالنسبة لعدم تحدثهم بلغتهم فيما بينهم وحتى مع المراجعين من ابناء جلدتهم, ثمة اسباب كثيرة تقف عائقا امام هذه الظاهرة وهي الموظف او المدير التركماني ان وجد في دائرة ما يخشى ان يتحدث بلغته لانه قد يفقد تقديرهم واحترامهم في الدائرة أو يدخل الى دائرة الشك ويؤدي الى عدم ترقيته او فقدان بعض من الامتيازات وحتى الى فقدان وظيفته, واني الومهم على ذلك واقول لهم انه تركماني مهما تحفظ على قوميته ومهما اخفى لغته فانه تركماني, وليعرف انه جميل بتركمانيته لأن اللغة التركمانية لغته الاصلية ولغة ابائه واجداده.
* هناك ظاهرة بين تركمان اربيل الاوهي استخدام كلمة (اربيللي) بدلا من التركمان كيف تقرؤون هذه الظاهرة وماهي الاسباب التي وراء تبديل كلمة التركماني بـ (اربيللي)؟
– للاْسف الشديد انا ايضا اسمع هذا المصطلح من بعض التركمان, ان مصطلح (اربيللي) يرجع الى انتسابه الى المدينة التي يسكنها (فألاربيللي) ليست قومية, وعندما كانت مدينة اربيل فقط يسكنها التركمان فيقال لتركمان هذه المدينة اربيللي لعدم وجود غير التركمان في هذه المدينة وهذا يقال لنا من قبل اشخاص من خارج المدينة لان عندما تقول الاربيللي يعني التركمان والعكس صحيح, لكن البعض يستخدم هذا المصطلح لسبب انه يخشى ان يقول تركماني ولايحبذ ان يقول كردي حيث يشعر عندما يقول انا كردي قد خان قوميته لكنه يفضل ان يقول اربيللي لارضاء الطرفين وهذا خطأ, بما ان التركمان في العراق موزعون في المدن العراقية لذا يجب القول انا تركماني اربيللي او تركماني كركوكلي او تلعفري او مندلاوي او طوزلو او كوبرلو او خانقيني …الخ.
*لكننا نلاحظ منكم تقولون بين حين واخر انا تركماني؟
– نعم اقول وبكل صراحة انا تركماني اربيللي أي من مدينة اربيل ولا اخشى احدا لأن التركمانية ليست اثما, ويبقى ذلك على ضمير الانسان نفسه هل بامكانه ان ينكر اصله من اجل وظيفة او مصلحة؟ طبعا هذا سيكون اثما عندما ينكر الانسان اصله.
*لنعد الى سوق القيصرية هل لنا ان نسمع نبذة عن تاريخ هذا السوق واصحاب المحال فيه ومهنتكم التي ورثتموها؟
– نحن نمتهن الخياطة وورثناها ابا عن جد وكنا اول محل في هذا السوق (القيصرية) التي بنيت بعد الحرب العالمية الاولى وبني السوق من قبل الحاج قادر والد كل من (شهاب جلبي وفتاح جلبي ومحمود جلبي) وكنت اسمع من جدي بأن السوق تم بناؤه بالمرمر وتم استيراد مواده الانشائية من مدينة حلب السورية ومدينة الموصل وحتى المعمارين الماهرين كانوا من هاتين المدينتين وكان للسوق اقواس (طاق), كما ويحتوي السوق على ملاجيء تحت المحال وفوقها غرف يتخذ التجار مكاتب لهم امثال (شهاب جلبي- ملا ياسين- ابراهيم ايكي اروادلي- حسن خياط والد الحاج شريف والحاج صالح- الحاج جبار- الحاج علي- الحاج علي كلناز- عزيز الحاج علي- الحاج عباس- الحاج قروك- الحاج ده لي سليم …. الخ) وكان اصحاب المحلات كلهم من التركمان بأستثناء بعض المحال كانت تعود لليهود.
*نرى الاهمال الواضح في هذا السوق حيث هدم القسم العلوي منه ولم يتم أي ترميم فيه. الى ماذا يعود هذا الاهمال وهل في نية الجهات هدمه او ترميمه؟
-كل الاملاك حين وفاة مالكها تتحول الى الورثة وتلاقي الاهمال لأن لم يكن هناك مالك واحد بل عدة مالكين, أما بالنسبة لبنائه مجددا او هدمه, بعد الثورة أي في العام1958 شكلت لجنة من الاثار واجرت الكشف على سوق القيصرية لغرض ترميمه على هيئته لكن المشروع اوقف ولااعرف السبب, وفي عهد النظام السابق ايضا شكلت لجنة لنفس الغرض لكن المشروع لاقى المصير نفسه وتوقف, اما الان نسمع الرواية نفسها ولانعرف هل سيلاقي المشروع نفس المصير ام لا.
*كيف ترى مدينة اربيل في شهر رمضان المبارك بين الحاضر والماضي؟
-لشهر رمضان المبارك قدسية ونكهة خاصة لدى تركمان اربيل, وكانوا يستقبلونه بكل لهفة, وفي هذا الشهر تتبادل الدعوات وتتهيأ مآدب الافطار في البيوت والجوامع وتقرأ المناقب النبوية الشريفة, ولقدسية هذا الشهر تتم المصالحة بين العوائل او الاصدقاء ان كان هناك نوع من العتاب واللوم فيتم اصلاح ذات البين في هذا الشهر خصوصا, وكانت لهذا الشهر خصوصية اخرى وهي قيام الاثرياء في هذا الشهر بتوزيع الزكاة لتنقية اموالهم ويتم توزيعها على الفقراء بشكل خفي ويتم توزيع زكاة الشخص على عائلة اوعائلتين حتى تستفيد من هذا المبلغ ولم يكن لدى الاثرياء سوى ارضاء ربهم ويخشون الرياء, كما وهناك لعبة فولكلورية تركمانية الاوهي لعبة الصينية (سني زرف) المشهورة, يمارسها تركمان مدينة اربيل في شهر رمضان في المقاهي الى وقت السحور وكل المناطق التركمانية في العراق تمارس هذة اللعبة الرمضانية الشهيرة لان اللعبة فولكلورية وخاصة بتركمان العراق وكانت في السابق تتبادل الدعوات بين المناطق التركمانية ويلعبون هذه اللعبة بمثابة السباق, اما الان فلرمضان قدسية نفسها لدى تركمان مدينتي لكن اخذت تقاليد الماضي تؤول الى الزوال لأن المدينة توسعت ولم تكن كالسابق خاصة بالتركمان وقد تفرقوا في احياء بعيدة ويلتقون في المناسبات.
*ثمة عملية احصاء سكاني ستجرى في العراق عامة اجلا ام عاجلا ما تقييمكم لهذه العملية و بماذا تنصح التركمان؟
-قبل بدء هذه العملية نحتاج الى توعية كثيفة من خلال جميع الوسائل الاعلامية وعقد ندوات من قبل المثقفين من ابناء شعبنا التركماني لتوعية المواطنين حول هذه العملية, والاهم من ذلك ان الانسان التركماني يجب ان يحتكم الى ضميره وان لايخشى لومة لائم ولاينكر قوميته ويعلن تركمانيته بكل صراحة, اكرر واقول ان الانسان التركماني جميل بتركمانيته وانه سيبقى تركمانيا حتى لو انكر اصله فأنه معروف بتركمانيته ويقال له انه تركماني وسيكون مصيره الخجل والخذلان عندما يقال له انه تركماني وانكر قوميته ولايتحجج بقرية من القرى لينتسب اليها فالتركمانية ليست عيبا ولا اثما .